"حــمـــــاس" و"فــتـــــح" "وثـيـــقـة يـــوســــف أحــمـــــد"

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
"حــمـــــاس" و"فــتـــــح" "وثـيـــقـة يـــوســــف أحــمـــــد"

بقلم : معتصم حمادة

لعلها المرة الثانية التي تبدو فيها الدوافع السياسية المباشرة، فاقعة في تفسير الإشتباكات بين حركتي "حماس" و"فتح" في قطاع غزة.

المرة الأولى كانت بعيد التوقيع على إتفاق اوسلو، حين قررت "فتح" التمهيد لبسط سلطتها (سلطة الحكم الذاتي) على القطاع، وفتح الطريق أمام ياسر عرفات للإنتقال من تونس إلى غزة.

كانت "حماس" (آنذاك) تقدم نفسها طرفاً موازياً ومنافساً، بل بديلاً من فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني وقيادته.

عبرت عن ذلك حين رفضت الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً للشعب الفلسطيني كما رفضت الدخول في القيادة الموحدة للانتفاضة، وانفردت بإصدار البيانات وبتعيين فاعلياتها الخاصة بها، بما في ذلك الذكرى السنوية لانطلاقة الانتفاضة، التي هي في الوقت نفسه ذكرى إنطلاقة "حماس" أيضاً(!).

في تلك الأثناء، كان محمد دحلان مبعداً إلى تونس، حيث عيّنه عرفات مسؤولاً عن "فتح" في القطاع، يدير شؤونها بالهاتف والفاكس... والتحويلات المالية.

فأعطى أوامره لرجاله، ففتحوا النار على "حماس" (وعلى بعض "فتح" ممن عارضوا إتفاق أوسلو).

وقد شهد القطاع اشتباكات واسعة وحملة تصفيات جسدية لقيادات ميدانية بطرق مشبوهة.

وعندما عاد عرفات إلى غزة عيّن دحلان رئيساً لجهاز الأمن الوقائي في القطاع، فتحول إلى الذراع الضاربة لسلطة الحكم الذاتي ولحركة فتح في آن واحد.

وكان واضحاً أن الحالة الفلسطينية شهدت متغيرات واسعة، كان ممرها الإجباري نهر الدم الذي سال آنذاك بين "فتح" و"حماس".

هذه المرة يدور الصراع الدموي، (مع محطات تهدئة تفصل بين جولة وأخرى) حول قضايا بعضها بات معلناً، والبعض الآخر مازال قيد الكتمان، لكنه بات مكشوفاً للمراقبين ومحط اهتماماتهم.

من بين هذه القضايا "القوة التنفيذية" التي تحولت موضوعاً سجالياً بين الطرفين.

وهي القوة التي شكلها وزير الداخلية سعيد صيام، من ميليشيا حركة "حماس" في القطاع، كذراع عسكرية ذات صفة "رسمية" في مواجهة الأجهزة الأمنية الأخرى، الموالية لرئيس السلطة محمود عباس، ولحركة "فتح".

أما القضية الأكثر قدرة على تفجير الموقف لما تشكله من حساسية سياسية لدى الطرفين.

لم ترصد كجزء مباشر من الحدث لكنها كانت مخيمة على أجوائه بشكل واضح.

وهي تتعلق بالتنافس بين الحركتين على من يسبق الآخر للدخول في العملية التفاوضية، طرفاً مقبولاً ومعتمداً من اللجنة الرباعية الراعية للمفاوضات.

في هذا السياق رصدت "فتح" ثلاث محطات كبرى رأت فيها تحولاً استراتيجياً في مواقف "حماس" يرشحها للعب دور في المعادلة الإقليمية، ويقربها من أوروبا، ومن بعض أطراف اللجنة الرباعية.

كما رأت فيها إشارات تنبئ باستعداد "حماس" لتلبية شروط العملية التفاوضية على أن تتبع هذا الموقف للجنة الرباعية مباشرة، وليس لعباس وعبره للرباعية.

1 - المحطة الأولى: تمثلت في الكشف عن "وثيقة أحمد يوسف" المستشار السياسي لرئيس الحكومة إسماعيل هنية.

وهو مواطن أميركي من أصل فلسطيني، استدعاه هنية من الولايات المتحدة ليكون مستشاره في العلاقات مع الغرب.

اللافت للنظر أنه رغم علاقته العلنية بمنظمة تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية إلا أن واشنطن لم تسحب منه جواز سفره ولم تحرمه من جنسيته الأميركية ولم تضعه موضع المساءلة القضائية.

الوثيقة وعنوانها "اقتراحات لخلق ظروف مناسبة لإنهاء الصراع"، وباعتراف يوسف نفسه، هي حصيلة حوار مطول جرى بينه وبين فريق أوروبي - إسرائيلي، للبحث عن مداخل لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وقد ضم

الوفد شخصيات مثيرة، ومن بينهم:

- الإسرائيلي يائير هيرشفيلد، وهو أستاذ التاريخ في جامعة حيفا، وكان له دور بارز في ولادة اتفاق "غزة - أريحا أولاً" بين "فتح" وإسرائيل.

- السويسري نيكولاس لبنج: وهو ديبلوماسي معروف خدم في البعثة السويسرية في الأراضي الفلسطينية.

لعب هو الآخر دوراً مرموقاً في صياغة وثيقة "جنيف - البحر الميت" بين شخصيات إسرائيلية وأخرى فلسطينية محسوبة على السلطة الفلسطينية نهاية العام 2003.

- ضابط الاستخبارات البريطاني المعروف اليستر كورك، وقد عمل لفترة مساعداً لخافيير سولانا للشؤون الأمنية، وأقام علاقات مميزة مع شخصيات قيادية في "حماس" أثناء تواجده في مدينة غزة.

- الأكاديمي رون فونديك، الذي لعب دوراً بارزاً في استحداث المسار التفاوضي السري في أوسلو بين منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات وحكومة رابين، أفضى إلى ولادة اتفاق أوسلو وهو الآن مدير "معهد بيريس للسلام".

وباعتراف يوسف، فإن الوثيقة وزعت على قيادة "حماس" في الضفة والقطاع، ووصلت نسخة منها إلى المكتب السياسي للحركة في الخارج عبر موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب.

وسلم هنية نسخة عنها للرئيس عباس، كما سلم عنها نسخاً إلى المسؤولين العرب الذي التفاهم في جولته الخارجية.

هذه الاعترافات استفزت عباس، وقد نقل عنه المقربون منه تأكيده أنه تسلم من هنية نسخة عن وثيقة أحمد يوسف، وانه لم يعرها اهتماماً في البداية.

كما نقلوا عنه دهشته من حجم التنازلات الواردة فيها.

واحتجاجه على توزيع هنية نسخاً عنها على الزعماء العرب، مؤكداً أن في ذلك مخالفة صريحة لما تم الاتفاق عليه بحيث تتولى الحكومة إدارة الشأن الداخلي، ويتولى رئيس السلطة الملف السياسي بما في ذلك الملف التفاوضي (ورد ذلك نصاً في وثيقة الوفاق الوطني في 27/6/2006).

وينقل المقربون من عباس عنه تخوفه أن تندفع "حماس" كثيراً في التنازلات، بحيث تفرط بما تحقق من مكاسب.

لذلك لاحظ المراقبون لهجة التشدد لدى عباس بشأن المقترحات الأميركية، خاصة الدولة الفلسطينية ذات الحدود الموقتة كذلك لهجته المتشددة بشان "وثيقة أحمد يوسف".

2 - المحطة الثانية: ولا تقل خطورة عن الأولى، هي حين أدلى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل بحديث لصحيفة "كوريري ديلاسييرا" الإيطالية (20/12/2006) دعا فيه الأوروبيين، وعواصم القرار في العالم الغربي إلى وقف المراهنة على محمود عباس للوصول على تسوية للصراع مع إسرائيل مؤكداً لهم في السياق أن السلام في المنطقة "يمر عبر حركة حماس": ومما قاله مشعل مخاطباَ الأوروبيين في حديثه للصحيفة الإيطالية: "إن الرئيس عباس لا يملك التأثير على عملية السلام.

ألم تدركوا بعد أنه لا يؤثر على أي شيء.

عندما كان الرقم الثاني بعد عرفات كان لا شيء.

ولا شيء أيضاً عندما كان رئيساً للوزراء في 2003. ولماذا يجب أن يُدعم من أوروبا الآن.

وتذكروا أن الطريق الوحيد للسلام يمر عبر حماس".

وأعاد مشعل مرة أخرى عرض هدنة مدتها عشر سنوات مع إسرائيل، "على أن يتم خلال هذه المدة تشكيل دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67".

وعن القضايا الأخرى، كقضية اللاجئين رد مشعل "سيكون الأمر عائداً للأجيال القادمة اتخاذ القرار حول المستقبل" ملمحاً في الوقت نفسه الى استعداد الحركة للاعتراف بإسرائيل بعد قيام الدولة.

3- المحطة الثالثة: تندرج في السياق نفسه للمحطة الثانية حين أدلى مشعل بحديث مماثل لوكالة "رويترز" أكد فيه اعترافه بوجود إسرائيل كأمر واقع، مجدداً التوضيح أن الاعتراف بها مؤجل لما بعد قيام الدولة الفلسطينية.

إذن... "حماس" تتمسك بالسلطة، وتبني قوتها العسكرية الخاصة، وتقدم نفسها، في تنافس مع فتح، للدخول في التسوية الإقليمية للصراع مع إسرائيل.

فمن "سينتصر" في قطاع غزة، ومن "سينتصر" من بين الحركتين في نيل مباركة اللجنة الرباعية لدخول العملية التفاوضية؟ أم أن الحركتين ستخرجان من المعركة خاليتي الوفاض فلا يكون هناك منتصر في حرب أهلية تدمر الجميع، ولا يكون هناك منتصر في سياسة تنازلية بلا حدود؟