استعرض مصدر رسالة المؤتمر الشعبي

'''<center><font color="blue"><font size=5>رسالة المؤتمر الشعبي</font></font></center>'''

'''بقلم: [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] '''

== مقدمة ==

ألقى [[الإمام البنا]] كلمة جامعة فى المؤتمر الشعبى [[للإخوان المسلمين]] المنعقد فى 28 شوال سنة 1364ه - 4 [[أكتوبر]] [[1945]]م، وكان هذا المؤتمر بعد مؤتمر المناطق والشعب والذي قرر ان تعقد عدد من المؤتمرات بالتعريف للقضية الوطنية وما يحاك لها، والدعوة لمقاومة المحتل.وقد عقد هذا المؤتمر في [[المركز العام]] [[للإخوان]] بالحلمية الجديدة حيث حضرة عدد غفير من [[الإخوان]] والشخصيات العامة.

== نص كلمة [[الإمام البنا]] ==

[[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-في-إحدى-المؤتمرات.jpg|تصغير|200بك|<center>'''[[الإمام البنا]] في المؤتمر الشعبى'''</center>]]

الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أيها السادة الفضلاءالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته: 

تجتمعون الليلة فى مؤتمركم الشعبى الأول بالقاهرة للنظر فى حقوقنا القومية، وفى هذه الظروف الكثيرة الجديدة التى تحيط بنا، ونتناول كل شئوننا الحيوية. ولا غرو أن تكونوا أسبق الناس إلى مثل هذا الاجتماع. فلعلكم أكثرهم شعورًا بالتبعة فى هذه الأيام.

'''أيها الإخوة الفضلاء:''' 

أجدنى بينكم الليلة شديد التأثر بتلك العاطفة التى تهز نفسى كلما وقفت مثل هذا الموقف بين [[الإخوان]]. 

عاطفة الشعور بما ألقى على كواهلنا من تبعات جسام: هذه الآلاف الكثيرة، عشرون أو ثلاثون أو أربعون ألفًا من خيرة القلوب فى هذا الوادى المبارك، ومن خلاصات أهله وساكنيه على اختلاف طبقاتهم وأعمالهم وثقافاتهم من: المهندس، والمدرس، والطبيب، والمحامى، والعامل، والزارع، والتاجر، والكاتب، والشاب، والكهل، والفتى، والشيخ. 

كل هذه القلوب قد اجتمعت بكلمة ولكلمة، وأسلمت قيادتها طائعة مختارة، وركزت آمالها فرحة مستبشرة فى الدعوة وقيادتها. 

ومع هذه الآلاف المجتمعة آلاف أضعافها فى مدن مصر وقراها وصحارى وادى النيل المبارك وسهوله ترهف آذانها لتستمع كما تستمعون، وتحدِّق بأعينها لترى كما تنظرون، وتخفق قلوبها لما تقولون وما تقررون، ويترقبون الكلمة التى تقولونها ليكونوا معكم من المنفذين العاملين. 

ومن وراء هذه المجموعات الكريمة ملايين من العرب والمسلمين يشاركونكم شعوركم، ويأملون كما تأملون، ويعملون لما تعملون.

كل هذا -أيها الإخوة الفضلاء- أحسه إحساسًا قويًّا، وأشعر به شعورًا عميقًا، وأتمثله وأتصوره فى أثقل التبعة وأعظم جسامة المهمة. 

ولكنى آمل بتأييد الله وتوفيقه وجميل مناصرته وتأييدكم أن تكون قيادة الدعوة عند حسن ظنكم وجميل أملكم -إن شاء الله- (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[البقرة: 143].أما الدعوة فهى لله وهو عليها حفيظ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

== دين وسياسة ==

أيها -الإخوة الفضلاء- لقد استمعتم إلى خطباء مؤتمركم الكرام، فاستمعتم إلى من يتحدث إليكم عن المعاهدة المصرية [[الإنجليز]]ية، وعن السودان وطنكم الجنوبى، وعن مؤتمر سان فرنسسكو وميثاق الأمم المتحدة، وعن الأرصدة الإسترلينية، والمطالب الاقتصادية، وعن الوحدة العربية والجامعة الإسلامية والعالمية الإنسانية، وعن الوعى الدينى والقومى خلال ربع القرن الأخير. سمعتم هذا كله وكنتم فضلاء كرامًا واعين؛ إذ استمررتم أكثر من ساعات طوال تتابعون بآذانكم وأذاهنكم هذه البحوث الفنية الخالصة متابعة الفاهم المشوق، فشكر الله لكم وجزاكم خيرًا.

ولقد خطر لى وأنا بينكم أستمع لما تستمعون له أن قائلاً لابد أن يقول، وهامسًا لابد أن يهمس: أهذه دار [[الإخوان المسلمين]]؟ وما لدار [[الإخوان المسلمين]] وعلاج هذه الشئون، وحسبها أن تتحدث إلى الناس عن فضائل القرآن الكريم، وأحكام [[الإسلام]] الحنيف من فرائض الوضوء، وأركان الصلاة، وروائع الأخلاق، وغرر الآداب؟ أما هذا فكلام السياسيين، وإنما يستمع الناس إليه فى دور الأحزاب ومنتديات الهيئات السياسية، وشتان ما بين الدين والسياسة، وعلى رجال الدين أن يتجنبوا هذه الميادين، ويقصروا جهودهم على ما فرغوا أنفسهم له.

وخطر لى أن خاطرًا كهذا لابد أن يكون قد دار أو هو يدور برءوس بعض الذين رأوا جمعنا هذا، أو سيقرءون عنه، وأبادر فأقول لهؤلاء جميعًا: لا تأخذوا بمبادئ الرأى ومبهم القول، ولا تجاروا العرف الخاطئ والاصطلاح الجائر، ولكن فكروا وحددوا فإن التفكير السليم والتحديد الدقيق يرفع بين الناس الخلاف، أو يقرب على الأقل بين وجهات النظر.

فإن أردتم أن [[الإسلام]] دين لا تتناول أحكامه الشئون السياسية فى الداخل والخارج من حيث تنظيم الحكومة، والصلة بين الحاكم والمحكوم، وما يتبع ذلك من حقوق وواجبات، وافتراض حرية الأمة الإسلامية وسيادتها وعزتها إلخ.. فذلك جهل ب[[الإسلام]]، وظلم لأحكامه وشريعته الشاملة التى جاءت تنظم شئون الدنيا والآخرة، وتحدد العلاقات فى المجتمع الإنسانى أفضل تحديد.

وإن أردتم أن من الخير أن يختص بالشئون الروحية والخلقية والعبادية، والخدمات الإنسانية العامة جماعة، وينصرف إلى حذق السياسة والبراعة فى شئونها ومعالجة أمورها جماعة، وأن يتجنب الأولون ما استطاعوا أعاصير السياسة وزوابعها ليتوفر لهم الهدوء والاستقرار الذى لابد منه لينتجوا فى ناحيتهم إنتاجًا حسنًا. 

وأن يعينهم الآخرون على هذا بأن يوفروا لهم هدوءهم، ويبتعدوا بهم عن الظنون الخاطئة والأحقاد الفاسدة، ويساعدوهم ما استطاعوا بالتشريع والسلطة التنفيذية وهى فى أيديهم، ويزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، على ألا يحرمهم ذلك حقهم الطبيعى من المشاركة فى الشئون الوطنية والقيام بالواجبات القومية فذلك رأى حسن، ومذهب من القول والعمل جميل فى أمة استقامت فيها الأوضاع، واستقرت فيها النظم، ووزعت مهامها على الكفاة الأمناء من أبنائها.

أما فى شعب مجاهد يناضل فى سبيل حريته، ويكافح لينال حقوقه المغصوبة وخيراته المسلوبة، وقد سنحت أمامه الفرصة المناسبة، والوقت الذى إن ضاع منه فلن يعود إليه، فإن الواجب المحتوم ينادى كل هيئة، ويهيب بكل عامل مهما كان ميدانه أن يكون هدف الجميع واحدًا، هو استخلاص الحقوق، والنضال الكامل المجتمع فى سبيلها، وكل تقصير فى ذلك يعتبر جريمة لا تغتفر.

ولهذا يرى [[الإخوان]] أول واجباتهم فى هذا الظرف أن يتجهوا بكل قواهم إلى هذا الميدان الوطنى، وهم مع هذا لن يهملوا أبدا الميدان الاجتماعى، بل هم أقروا له نظامه، وأعدوا له عدته، ووفروا له استقراره حتى لا يحرم الناس ثمرته الطيبة وآثاره النافعة.

وأما إذا تمسكتم بهذا العرف الذى جرى عليه الناس، وقرره فى أذهانهم وأوضاعهم ذوو الأغراض والمصالح بأن مما يزرى برجل الدين والهيئات التى تعمل باسم الدين أن تتعرض للواجبات الوطنية وتجاهد فى سبيلها، وأن مما يزرى كذلك برجل السياسة وينتقص من نضجه السياسى أن يكون متدينًا يساهم فى الهيئات التى تعمل للدين ويعين على نجاحها، فذلك عرف خاطئ، وتوجيه ظالم لا نقره نحن [[الإخوان المسلمين]]، ولا نعترف به، و[[الإسلام]] الحنيف من هذه الوصمة برىء، وهو الذى يفرض على المسلم أن يكون رجل الحياة المجاهدة النشيطة فى كل مكان، وفى كل ميدان.

== بين الشئون الداخلية والشئون الخارجية ==

'''أيها الإخوة الفضلاء...'''

قبيل هذا الاجتماع تقدم إلى بعض الغيورين بمذكرات فى الإصلاح الداخلى، وطلب إلى [[المركز العام]] فى نهايتها أن يكون من موضوعات المؤتمر بحوث فى الإصلاح الذى نحتاج إليه أشد الاحتياج، فنحن فى حاجة إلى علاج مشاكل التعليم والاقتصاد والأسرة، ومستوى المعيشة بين الفلاحين والعمال وغيرهم من طبقات الأمة، والنظر فى شئون الزراعة والصناعة والتجارة والنقل والثروات المختلفة، والاهتمام الكبير بمشكلة الأخلاق التى تأثرت إلى أكبر حد بهذه الموبقات الفاشية، والأوضاع الفاسدة، والعوامل الكثيرة المحيطة. إلى غير ذلك من وجوه الإصلاح الداخلى.

ونحن لن نغفل أبدًا قيمة هذا الإصلاح، ولا شدة الحاجة إليه، ولا ضرورة وضع المناهج المفصلة الدقيقة فى كل نواحيه.

لن نغفل أبدًا هذه المعانى ولن نهملها، ولقد تناولها نظام [[الإخوان]] الأساسى فأشار إلى أهميتها، وجعلها غرضًا أساسيًّا مستقلاً من أغراضهم، كما وضعت رسالة المنهج منذ سبع سنوات أو تزيد فى هذه الناحية، وسيضاعف [[الإخوان]] اهتمامهم بهذه المعانى فى القريب إن شاء الله.

ولكن الأمة -كما قلت سابقًا- أمام فرصة سانحة ووقت محدود إن أفلت ومضى فلن يعود، وهو وقت التفكير والعمل لتقرير مصير الشعوب وأوضاع الأمم، والاعتراف بما لها من حقوق، وتحديد ما عليها من واجبات. 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فنحن لا يستقيم لنا وضع ولن ينصلح لنا حال ولن تنفذ لنا خطة إصلاح فى الداخل ما لم نتحرر من هذا القيد الثقيل العاتى قيد التدخل الأجنبى.

وما لم نحصل على استقلالنا الحقيقى فإن هذا الاستقلال الناقص الذى يفتح أبواب التدخل الأجنبى على مصاريعها لكل من أراد أن يقضى على كل مشروع نافع، ويحول دون تنفيذ كل فكرة صالحة، ويسد عليها كل منافذ الخير، إن أردناه فلابد من أن تتكاتف الجهود على تحطيم هذا القيد حتى نعمل لإصلاح شئوننا الداخلية فى حرية كاملة، ومن قرأ تقرير الغرفة التجارية الإنجليزية يعلم ماذا يراد بنا فى الناحية الاقتصادية، وإلى أى حد يحول هذا التدخل دون كل إصلاح منشود، ويقضى على كل عمل نافع فى مهده، فلنجاهد فى سبيل الحرية -أيها الإخوة- فهى وحدها أساس كل إصلاح.

== حقوقنا القومية ==

[[ملف:الامام-الشهيد-حسن-البنا.jpg|تصغير|250بك|<center>'''[[الإمام حسن البنا]]'''</center>]]

'''أيها الإخوة الفضلاء:'''

سوف لا أتحدث إليكم حديثًا مطولاً عن هذه الحقوق بعد أن تناولتها بشىء من البيان فى اجتماع جمعيتنا العمومية الماضية فى شوال، وبعد أن تناولها الإخوان الخطباء بالشرح والتفصيل من الوجهة الفنية فأبانوا لكم هذه الحقائق.

إن السودان هو وطنكم الجنوبى بحكم الحقيقة التاريخية والجغرافية، وبحكم الروابط التى لم يتوفر مثلها لكثيرين من الأمم الموحدة قديمًا أو حديثًا، وبحكم المصالح المشتركة والمشاعر المتبادلة، وإن المعاهدة لم تعد أساسًا صالحًا للعلاقات بين [[مصر]] وبريطانيا بعد أن تغيرت الظروف والأوضاع تغيرًا كليًّا، وذهبت من الوجود هيئات ودول، وحلت محلها هيئات ودول أخرى، وتناول التطور الجديد كل نواحى الحياة الفكرية والاقتصادية والعسكرية.

وإن ميثاق الأمم المتحدة الذى أسفر عنه اجتماع سان فرنسسكو ميثاق ناقص فى ذاته لا يحقق الغاية المقصودة بها التحقيق الكامل، وتصديقنا عليه مع بقاء المعاهدة وقيام الجامعة العربية ولكل تبعاته والتزاماته يضعنا فى موضع مبهم تتناقض فيه الالتزامات، وتتعارض الواجبات، فلابد من التفكير فى هذا الوضع، ولابد أن نأخذ لأنفسنا الحيطة قبل أن نسجل على أنفسنا هذا الارتباط الجديد.

وإن القيود الاقتصادية التى قبلناها إبان الحرب مساهمة منا فى المجهود الحربى، إلى جانب التساهل العجيب من الحكومات المتعاقبة الذى بلغ حد الغفلة والإهمال قد أضر بنا ضررًا بليغًا، وكان عن نتيجة السماح للبنك الأهلى بإصدار أوراق لا رصيد لها من الذهب أن صار الجنيه المصرى لا يساوى ريالاً واحدًا، وأن صار العامل المصرى الذى يقضى يومه عاملاً مجاهدًا كادحًا فى سبيل الحصول على عشرين قرشًا مثلاً لا يحصل فى الحقيقة إلا على ثلاثة قروش أو أربعة وهى ما تساويه هذه العشرين عمليًّا، وأن الفلاح الذى يكافح عامه ثم يبيع حاصلاته لا يحصل فى الحقيقة إلا على خمس القيمة أو سدسها. 

فنحن فى ضائقة اقتصادية لا حد لها، وإذا أضيف إلى هذا ما يراد بنا من تقييد الإيراد والتصدير، وخنق حرية التجارة والصناعة، وغزو البلاد بالمهاجرين من كل جنس، رأينا أنفسنا أمام كارثة محققة تهدد كياننا الاقتصادى، أعنى: تهدد حياتنا فى الصميم، ومن الواجب أن نفكر فى علاج هذه المشكلة علاجًا حاسمًا، وأن تعيننا بريطانيا على هذا العلاج؛ إذ إنها كانت السبب المباشر لهذا الوضع.

وإن دعوتنا إلى تقوية الوحدة العربية، وتحرير الشعوب الإسلامية، أمر تفرضه علينا مصلحتنا الوطنية ورابطتنا القومية، كما يفرضه كذلك الشعور الإنسانى الذى يجب أن يؤمن به كل إنسان فى هذا الوجود، ويفرضه الإسلام ويحتمه ويدعو إليه.

أبان لكم الخطباء كل هذا وطمأنوكم بعد ذلك على أن هذا الوعى الروحى الوطنى -وقد نما وازدهر، وبدا قويًّا رائعًا فى نمو فكرة [[الإخوان المسلمين]] وازدهارها- لم يعد يخشى عليه بإذن الله، والله غالب على أمره.

ولا أريد أن أزيد على بيان [[الإخوان]] بيانًا، ولكنى أقرر بمناسبة هذا الاجتماع أن حقوقنا هذه لا مغالاة فيها ولا تعسف؛ فهى حقوق طبيعية. نحن لا نطلب حق أحد، ولا نريد أن نعتدى على أحد، وإن المبادئ الإنسانية التى أعلنتها الدول الكبرى إبان هذه الحرب، والتى قررتها أبسط مبادئ العدالة منذ عرف الإنسان الحق والعدل لتفرض على كل منصف أن يسلم لنا بهذه الحقوق. ولهذا نحن لا نقبل فيها مساومة، ولن نخدع عنها بمعسول القول ومبتكر الألفاظ، ولن نرضى فيها بالوعود الخلابة، وسنظل نكافح حتى نصل، وسنصل إن شاء الله.

ولقد اتجهت الأمة كلها هذا الاتجاه، وأعلنت رأيها فى ذلك بوضوح وصراحة على اختلاف طبقاتها وهيئاتها، بل إن الأمم العربية والإسلامية كلها قد اشتركت فى هذا المعنى، فمنها من امتشق الحسام فعلاً فى سبيل حريته كما فعلت [[إندونيسيا]]، ومنها من ينتظر كما تدل على ذلك البوادر فى [[فلسطين]] و[[تركيا]]. 

ومنها من آثر الهدوء والسكينة على فوران النفوس وغليان القلوب، ولكنها الحكمة تلجم نزوات العواطف بخطرات العقول حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولاً كما فى مصر، ومنها من يصطلى جحيم العدوان الظالم ويقدم على مذبحه القرابين الكثيرة من الأنفس والديار والأموال كما فى الجزائر ومراكش، ولن تخمد هذه اليقظة أبدًا حتى تبلغ مداها بإذن الله، والأمة التى تريد أن تحيا لا يمكن أن تموت.

== من وسائلنا ==

قالوا: إن [[الإخوان المسلمين]] سيحضون على الثورة، وسيكون وقود هذه الثورة الأجانب فى [[مصر]] و[[اليهود]] والأقليات غير المسلمة. وقالوا: إن يوم 4 [[أكتوبر]] وهو يومكم هذا، وإن يوم 6 [[أكتوبر]] من بعده سيكون يومًا هائلاً رهيبًا فى تاريخ [[مصر]]؛ إذ إن الطلبة والتلاميذ فى المدارس سيقومون بتحطيمها وتخريبها، وسينطلقون منها إلى الشوارع يعيثون فيها الفساد. 

وخابرنى بعض المتصلين بمديرى الشركات والمصانع يقول: إن كثيرًا من رجال هذه الشركات يخشى هذا اليوم أشد خشية، وأنهم يريدون أن يفهموا [[الإخوان المسلمين]] أن هذه الشركات والمصانع فيها عمال مصريون، وأنهم لا ينتفعون من ورائها كما ينتفع أولئك، وأنهم يحبون المصريين ويتعاونون معهم، وهم لذلك يودون من [[الإخوان]] ألا يتعرضوا لحياتهم بعدوان، ولا مصانعهم ومكاتبهم بتخريب فى هذا اليوم العصيب.. إلى هذا الحد توهم الناس أن مصر على وشك الثورة. 

ولعلهم معذورون فى هذا التوهم؛ فإن إهدار حقوق الأمة والتغافل عن مطالبها وتناسى شعورها إلى هذا الحد ليؤدى إلى بلبلة الخواطر، وجرح الصدور، وذلك وقود الثورة ما لم يتقدم الغيورون للعلاج قبل فوات الأوان.

ولكن مصر البلد الصبور الوقور، و[[الإخوان المسلمين]] هم الهيئة الحكيمة المؤمنة المنظمة لم تثر يوم 4 أكتوبر، وها هو مؤتمركم الجامع يقارب نهايته فى نظام وإحكام كأنما نحن فى صف الصلاة. 

ولا غرو فنحن فى صف الجهاد، وقوام المجتمع الإسلامى دائمًا نظام وطاعة (فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)[محمد: 20-21]. وسوف يكون هدوء واستقرار يوم 6 أكتوبر كذلك بإذن الله؛ لأن مصر مطمئنة إلى عدالة قضيتها وأحقية مطالبها، وهى لم تيأس بعد من نفسها ولا من غيرها حتى يدفعها اليأس إلى الثورة.

ستهدأ مصر حينًا من الزمن نعطى فيها الفرصة للمسئولين فى الداخل والخارج ليفكروا ويعملوا فى هدوء واستقرار، وليس هدوء مصر فى هذا هدوء ضعف أو استكانة أو غفلة أو نوم، ولكنه هدوء المؤمن المطمئن إلى حقه الواثق بنفسه، والأمر بيننا وبين من ينكر علينا حقنا أمر عمل وإجراءات، لا أمر مخادعة وتغرير، فإننا على الحق، وقد عرفناه واستمسكنا به واتجهنا إليه، ولا يمكن أن يقوم الباطل إلا فى غفلة الحق، وقد صحا الحق فلا غفلة، فلابد أن ينتصر ويظهر، ولابد أن يزهق الباطل ويقهر ('''بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ''')[الأنبياء: 18]، ولم تعد يقظتنا الحالية يقظة شعور وقتى ينتهز فرصة لنثور وندمر، ولكنها يقظة وعى وإيمان حقيقى يدعونا دائمًا إلى أن نعمل ونستعد بعد أن نفكر وندبر، ولهذا نحن مطمئنون إلى النتيجة، واثقون من النصر، ('''وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ''')[الحج: 40].

'''أيها الإخوة الفضلاء...'''

إن أول وسائلكم: الإيمان القوى بهذه الحقوق، وتعرفها بالإجمال والتفصيل، وحفظها والمحافظة عليها، فتعرفوا جيدًا حقوقكم وأهدافكم، وآمنوا بها من أعماق قلوبكم، ولا تقبلوا فيها مساومة ولا جدلاً، ثم انشروا هذا الإيمان فى كل نفس، وصلوا به إلى كل قلب، وستعمل قيادة [[الإخوان]] على ذلك، وستكافح هذه الأمية الوطنية مكافحة لا تدع لها وجودًا، وسندفع بدعاة [[الإخوان]] وشباب [[الإخوان]] إلى القرى والنجوع والعزب والكفور والمدن والأمصار ليذيعوا فى الشعب حقه وليجمعوه عليه، وستكون الحقوق الوطنية سورًا تحفظ، وأناشيد ترتل، وأورادًا تردد، وسنحفظها للناس كما نحفظهم فاتحة الكتاب يقرأون:

('''بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ''')آمين [الفاتحة]، ويقرءون بعدها الجلاء والسودان والدين والقناة والحرية والاستقلال والوحدة العربية والجامعة الإسلامية وفلسطين الشهيدة وإندونيسيا المجاهدة والمغرب العزيز وإخواننا من المسلمين فى كل مكان. 

سيكون ذلك وردًا وطنيًّا يتلى فى الصباح والمساء، وسيكون قنوتًا شرعيًّا يردد فى كل صلاة حتى يرفع الله عنا هذه النوازل القاتلة، نوازل التدخل والاستعمار والاستعباد. 

ثم حاولوا أن تجمعوا كلمة الشعب على هذه المطالب والحقوق. 

وأن تصرفوه عن كل ما عداها من الغايات.

تتردد فى الناس الآن نغمة وحدة الزعماء وجمع كلمة الزعماء، فإذا لم تجتمع كلمة الزعماء فماذا نصنع؟ أنقف مكتوفين حتى تتهيأ لهم وسائل الاجتماع؟!

لا تشغلوا أنفسكم بهذا -أيها [[الإخوان]]- فالوقت أثمن والعمل أنفع، اجمعوا الشعب على الأهداف والحقوق، واصرفوه عن كل ما سواها من معانى المهاترة والانقسام، وأفهموا الناس ضرر الخوض فى هذا الهراء الذى لا يجدى ولا يفيد، وستجدون فى الناس استعدادًا لهذا إن شغلتموهم به، فإن اليد الفارغة تسارع إلى الشر، والرأس الخاوى معمل الشيطان! فاشغلوا الفراغ فى نفوس الناس بالجد من الأمور، وبدراسة هذه الحقوق، وأفيضوا فيهم معانى هذه الدراسة الناضجة، فإذا اجتمع الشعب على ذلك فقد قضى الأمر، وسندع للزعماء الصف الأول، وسندعوهم إلى القيادة، وسنقول لهم: هذا هو الشعب وهذه هى الطريقة، فهيا سيروا على بركة الله، ونحن قوم مؤدبون بأدب [[الإسلام]]، ونعلم قول الرسول الكريم: "'''لا تزال أمتى بخير ما وقر صغيرها كبيرها، ورحم كبيرها صغيرها'''"، فلن نتقدمكم ما تقدمتم، ولن نخالفكم ما استقمتم، وعليكم الجد ما استطعتم، فإذا فعلوا فذاك وإلا فقد تخلوا عن الأمانة، وجردوا أنفسهم من معنى الزعامة، ولابد أن تجد الراية حملتها، وهم موجودون ('''وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ''')[محمد: 38].

ثم ادأبوا على المطالبة بحقوقكم والدعوة إليها بكل سبيل من الاجتماعات والنشرات والبيانات والبعثات فى غير كلل ولا سآمة، حتى يتم بذلك معنى الإعذار قويمًا قويًّا لقد أعذر من أنذر.

فإذا أفادت هذه الوسائل، فعاد الضمير الإنسانى إلى رشده، وأنصفكم غيركم من نفسه، فلا أحب إلينا من ذلك ونحن الذين نقرأ قول الله: ('''وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ''')[الأنفال: 61]، وإلا فالمقاطعة والمقاومة السلبية، وسوف لا نخفق فى هذه المرة إن أردنا ذلك أو قررناه، فإن هناك الآلاف والملايين من القلوب المؤمنة والألسنة المفصحة ستجند كلها فى هذا الميدان فى كل مكان حتى يأتى أمر الله، ومن بعد ذلك رد العدوان بالعدوان ('''فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ''')[البقرة: 194]، ولن نكون فى ذلك ظالمين بل مدافعين، وحق الدفاع معترف به ومقرر فى كل الشرائع والقوانين، ولا خير فى الحياة مع الذلة، ولن يجتمع الإيمان والذل فى قلب مؤمن صادق قد تذوق حلاوة الإيمان، وأدرك مثوبة الشهادة، وقدر لذة الجهاد.

تلك بعض وسائلنا -أيها [[الإخوان]]- من واجبنا ومن واجب غيرنا من الهيئات أن نجند أنفسنا لتحقيقها وإنفاذها، ومن واجب الشعب أن يعد نفسه لتلقيها والتجمع من حولها، وعلى الحكومات أن تفسح المجال للدعوة حتى تنتشر، وللهيئات حتى تعمل إن لم تستطع أن تتقدم فى ذلك الصفوف وتقود غيرها من العاملين، وعلى الجميع أن يتفاءلوا وألا يهنوا ولا يحزنوا، فالنصر للصابرين والعاقبة للمتقين.

"وبعد" -أيها [[الإخوان]]- فإننى قوى الأمل فى النصر -إن شاء الله؛ فإننا على الحق، والحق مؤيد من الله، وقد اتجهت الأمة واستيقظت، فلن نخدع بعد اليوم، وفى مصر حيوية جارفة حين تفيض لا يقف فى طريقها شىء، وملك شاب وطنى غيور يحب وطنه ويتمنى له كل خير، وفى مصر بعد ذلك [[الإخوان المسلمون]]، فاعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

'''المصدر : مجلة [[الإخوان المسلمين]] النصف شهرية العدد (74)، السنة الثالثة، 14ذى القعدة 1364ه- 20[[أكتوبر]] [[1945]]م.'''

[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:رسائل المرشدين]]
[[تصنيف:رسائل الإمام حسن البنا]]
[[تصنيف:مقالة جيدة رسائل]]
[[تصنيف:رسائل الإمام الشهيد حسن البنا]] 
[[تصنيف:3/5/2012]]
[[تصنيف:إخوان أون لاين]]