استعرض مصدر أرعب (إسرائيل) وهو حبيس زنزانة السلطة

'''<center><font color="blue"><font size=5>أرعب (إسرائيل) وهو حبيس زنزانة السلطة</font></font></center>'''
'''<center> "الرنتيسي".. في عيون سجانيه</center>'''

'''[[غزة]]- سيد إسماعيل'''

==مقدمة==

[[ملف:د.عبد العزيز الرنتيسى.jpg|تصغير|250px|يسار|'''<center>د.[[عبد العزيز الرنتيسي]]</center>''']] 

حدث هذا المشهد خلال واحدة من ليالي الأيام الأخيرة من عام [[1998]] : عند الساعة الثانية صباحا، دخل موكب قائد الشرطة ومدير المباحث وقتها، غازي الجبالي وطلال أبو زيد، يرافقهم عدد من سيارات الجيب التي حملت خمسة من الضباط الأجانب إلى مدينة عرفات للشرطة، جنوب مدينة [[غزة]]، كان من بينهم ثلاثة إسرائيليين فيما الباقون من الولايات المتحدة، وكان القاسم المشترك بينهم علامات القلق التي كانت تلوح عليهم.

دخلوا إلى الطابق الثالث من مبنى المباحث العامة، حيث كان يحتجز أهم سجين لدى السلطة على الإطلاق: 
[[عبد العزيز الرنتيسي]] الذي كان مستغرقا تماما في نومه، ولم يستيقظ على هذه "المظاهرة الدولية" التي قدمت لـ"زيارته"، أو حتى عندما كشفوا الغطاء عن وجهه للتأكد من شخصيته، نظر بعدها الضباط الخمسة في وجوه بعضهم البعض دون أن ينطقوا بكلمة، فيما كانت أساريرهم تنضح بالسرور لسبب واحد: " إن أسد [[فلسطين]] لم يزل حبيسا! ".

=="من هو هذا الرجل؟!"==

شهد عام [[1997]] خروج الرجل الثاني ب [[حركة حماس]] ، الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]] من سجون سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد سنوات متتابعات من الأسر المتلاحق والمتكرر بسبب انتمائه للجناح السياسي بالحركة، ليعود إلى [[قطاع غزة]] الذي كان يدخل عامه الثالث تحت حكم السلطة ال[[فلسطين]]ية، إلا أنه كان يدرك ببصيرته أن هذه السلطة صممت لتكون "وكيلا" للاحتلال، وأن الصدام معها سيكون عاجلا أو آجلا، لتتحقق رؤيته بعد شهور قليلة: فقد تقرر سجن الرنتيسي بحجة اتهامه السلطات الإسرائيلية باغتيال القائد في كتائب القسام ، محيي الدين الشريف، الأمر الذي أحرج قادة السلطة بشكل كبير.

بهدوء شديد خرج الرجل من سيارة التوقيف حاملا متاعه البسيط، الذي لم يزد في مجمله عن مصحف وجهاز مذياع وقليل من الملابس، إلى غرفة سجنه التي لا تزيد مساحتها عن ستة أمتار مربعة، حيث اختيرت في الطابق الأخير من مبنى المباحث العامة – غرفة السجل الجنائي حاليا- فوق غرفة مدير المباحث العامة، العميد طلال أبو زيد، كي يكون هذا النزيل تحت المراقبة المباشرة، والذي أعطى أوامر مشددة لمختلف الضباط بعدم الحديث مع هذا الرجل أو حتى الاقتراب منه بأي شكل كان!

كان طاقم الحرس على الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]]، والذي يبلغ عدد أفراده 16 فردا، قد اختير بعناية من الشباب عديمي التدين، والذين لا يشوب انتماءهم وإخلاصهم للسلطة أي شائبة، فضلا عن كرههم وحقدهم على حركة [[حماس]]، ليتم توزيع هؤلاء على مناوبات حراسة الدكتور خارج الغرفة، مع ضرورة بقاء أحدهم داخلها لمراقبته عن كثب، فكان نصيبي القيام بالدور الأخير البطنيجي

راح الدكتور يتأمل طاقم حراسته من الشباب صغير السن الذين بدا عليهم التحفز، دون أن يدرك من جلبوه ليضعوه تحت أنظارهم أن الدكتور سيمارس دعوته إلى الله حتى وهو في السجن!

"كان طاقم الحرس على الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]]، والذي يبلغ عدد أفراده 16 فردا، قد اختير بعناية من الشباب عديمي التدين، والذين لا يشوب انتماءهم وإخلاصهم للسلطة أي شائبة، فضلا عن كرههم وحقدهم على [[حركة حماس]]، ليتم توزيع هؤلاء على مناوبات حراسة الدكتور خارج الغرفة، مع ضرورة بقاء أحدهم داخلها لمراقبته عن كثب، فكان نصيبي القيام بالدور الأخير".

كانت هذه كلمات الرائد أيمن البطنيجي (38 عاما)، الذي كان وقتها برتبة رقيب أول، وواحدا من الذين تم اختيارهم لحراسة عبد العزيز الرنتيسى|[[الرنتيسي]] ، حيث ظل الدكتور لأيام تحت أنظار هذا الشاب، الذي وجد أمامه نوعا عجيبا من الرجال: " أصارحكم القول بأنني لم أسمع بالدكتور من قبل ولم أعرفه حتى رأيته! حتى إنني مكثت فترة في [[سوريا]]، سألني عنه خلالها بعض معارفي هناك من السوريين، فذهلوا عندما أنكرت معرفتي به! ويمكنني تذكر تلك اللحظة التي رأيت فيها هذا الرجل المهيب لأول مرة في حياتي، والذي أسرنا بهدوئه وابتسامته الدائمة وتواضعه معنا، لأنه كان "إنسانا" ينضح طيبة، قبل أن يكون قائدا عظيما ".

=="ساعدني يا أيمن!"==

لم يجد أيمن داخل غرفة الرجل وسادة أو غطاء لهذا الرجل "الخمسيني" في العمر، فقرر أن يأتي به من منزله، وهو أمر امتن له الدكتور عبد العزيز كثيرا، كما استغرب الضابط الشاب من كرم الرجل في تعامله مع سجانيه، فكان يتصرف وكأنه في بيته: يعد لحراسه وضيوفه القهوة والشاي ويقدم لهم ما يصله من عائلته من معجنات وحلويات خلال مواعيد الزيارة، في سابقة لم يعتدها السجانون من أي سجين عرفوه!!

ويتابع أيمن سرد روايته: " قلما فارق الدكتور رحمه الله القرآن ، فقد كان يقضي ساعات طويلة في قراءته، أما الليل فكان للتهجد وصلاة القيام التي يؤديها بخشوع تام، وأستطيع القول بأن صوت الدكتور لم يكن جميلا في قراءة القرآن، لكنك عندما تستمع إليه فإنك تشعر وكأنه صادر من أعمق أعماقه، فتشعر بروعة كل حرف وهو يخرج مرتلا من بين شفتيه، مما أثار في نفسي استغرابا شديدا ممزوجا بإعجاب متنام تجاه هذا الرجل! ".

ذات يوم، وفيما كان أيمن يراقب الدكتور عبد العزيز وهو يقرأ القرآن في غرفته، فوجئ به وهو يقول:

- هل من الممكن تسمع لي يا أيمن القرآن الكريم؟ أريد أن أراجع حفظي له.

ارتبك الشاب، قبل أن يسأله متلعثما:

- عفوا؟! هل قلت بأنك تريدني أنا للقيام بتسميع المصحف لك؟!

- صحيح.. هذا بعد إذنك طبعا!

استنشق قدرا من الهواء، قبل أن يضيف مستسلما أمام هذا الموقف "المحرج" بالنسبة له، والذي كان يمر به للمرة الأولى في حياته:

- حسنا، تريد تسميع أية سورة بالضبط؟

ارتسمت ابتسامة واثقة على وجه الدكتور الأشيب، فيما لمع بريق الثقة من عينيه خلف نظارته الطبية وهو يجيب:

- تستطيع أن تختبرني من حيث شئت!

يعقب الرائد أيمن على هذه الحادثة بالقول: " فتحت المصحف لأختبره مرات ومرات, من أوله وآخره ومنتصفه، فما أخطأ مرة واحدة، بل كانت تلاوته أسرع من عيني في القراءة! وهكذا ساهمت في أن يعيد الدكتور تثبيت حفظه للمصحف. رحمه الله، فقد كان رجلا لا يتكرر بحق! ".

=="ممنوع الاقتراب منه؟!"==

كما رأى الضابط أيمن عن كثب كيف كان يتابع [[عبد العزيز الرنتيسي]] الأحداث العالمية والمحلية من خلال جهاز الراديو عبر محطتي الإذاعة العبرية ومونت كارلو، مستنبطا منها بعض المعطيات عبر نظرته الثاقبة ليقدم بعدها تحليلا سياسيا دقيقا للغاية لسجانيه عما سيحدث خلال الفترة القصيرة المقبلة، كان يتحقق خلال أسبوع واحد، وهو من الأمور التي زادت من عجب هؤلاء!

اكتشف الدكتور من خلال الاحتكاك اليومي مع أيمن, أن نفس الضابط الشاب "تربة خضبة" لبذور الخير التي بدأ بغرسها فعلا من خلال الاحتكاك اليومي معه ومع الضباط والشرطيين الآخرين، الذين بدءوا يلتزمون بأداء الصلوات الخمس.

ويتحدث النقيب كمال أبو سلمية (39 سنة)، أحد زملاء الرائد أيمن، الذي عاصر فترة اعتقال [[عبد العزيز الرنتيسي]] والتقاه مرات عدة، عن تلك الأيام بالقول: " كانت المفارقة أن طاقم حراسة [[عبد العزيز الرنتيسي]] قد تغير ثلاث مرات، بسبب تحول أعضاء تلك الأطقم إلى التدين والالتزام بالصلاة، حتى السكيرين منهم، فقد كان الرنتيسي ذا قدرة لا تضاهى على "قراءة النفوس" واستمالتها بأسلوبه الساحر الذي استطاع جذب العشرات من ضباط الشرطة إلى طريق الهداية والتوبة، كهدف أساسي ورئيس له كداع إلى الله وحده ".

كانت المفارقة أن طاقم حراسة [[عبد العزيز الرنتيسي]] قد تغير ثلاث مرات، بسبب تحول أعضاء تلك الأطقم إلى التدين والالتزام بالصلاة، حتى السكيرين منهم، فقد كان [[عبد العزيز الرنتيسي]] ذا قدرة لا تضاهى على "قراءة النفوس" واستمالتها بأسلوبه الساحر الذي استطاع جذب العشرات من ضباط الشرطة إلى طريق الهداية والتوبة أبو سلمية

ثم ابتسم بعدها، ليقول: " اضطر العميد طلال أبو زيد إلى الاستقرار على بقاء طاقم الحراسة الأخير، وذلك خوفا من أن يصير كل رجال المباحث من المواظبين على الصلاة! ولعله السبب الرئيسي في إصدار رؤسائنا قرارهم القاضي بمنعنا من الحديث مع الدكتور أو حتى الاقتراب منه ".

شاهد ثالث أتيحت له فرصة الاقتراب من الدكتور خفية ولمرات قليلة، هو المقدم معتز الخالدي (42عاما)، فقد كانت زيارة الدكتور عبد العزيز الرنتيسى|[[الرنتيسي]] أمنية للكثير من الضباط المتدينين والمنخرطين بسلك الشرطة حيث قال: " كنت من ضباط المباحث الذين زاروا [[عبد العزيز الرنتيسي]] خفية، نظرا لأنني كنت متدينا ومواظبا على الصلوات، وكان هذا كافيا لزجي في سجون السلطة ثلاث مرات! فقد كانت الصلاة في وقتها "جريمة" و"شبهة" تحرم صاحبها من الكثير من الامتيازات لدى الإدارة، ومن بينها الترقيات والعلاوات والبعثات التدريبية إلى الخارج، ولو اكتشفت زياراتي السرية للرنتيسي، لكان مصيري الطرد والسجن معا! ".

خلال جلساته مع [[عبد العزيز الرنتيسي]]، تناقش معتز معه في العديد من النقاط والمواقف السياسية، يذكر منها معتز الآتي: " لقد قال لي [[عبد العزيز الرنتيسي]] خلال إحدى جلساتنا الليلية: " سيأتي يوم سيحكم فيه أبناء الحركة الإسلامية هذه البلاد من هذا المكان الذي أسجن فيه، وسيتولون زمام المرحلة القادمة! "، فرحت أعلق ساخرا عليه بالعامية: " لما ينور الملح يا دكتور! "، فرد علي بمنتهى الجدية: " هذه رؤيا حق يا فتى، وإن لم يقدر لي بأن أراها تتحقق فذكر من سيكونون في هذا المبنى في القريب العاجل! "، وقد ذكرتهم فعلاً! ".

كان المقدم معتز شاهدا رئيسياً على حادثة قدوم عدد من المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين إلى زنزانة الدكتور للتأكد من وجوده هناك بأنفسهم حيث تم استدعاؤه إلى مكتب اللواء الجبالي.

ويقول: " كان من عادة الجبالي أن يستدعيني لترجمة بعض الأوراق أو بطاقات التعريف المهنية "كارت" التي كان يسلمها له المسؤولون الأجانب له عقب زياراتهم، ولم يكن يفهمها لجهله باللغة الإنجليزية التي كنت أجيدها، فكان استدعائي ذلك اليوم من أجل ترجمة "كروت" كان من بينها واحد لمسئول كبير وسام بالشاباك واثنان لنائب رئيس الشرطة الإسرائيلية ومسئول المباحث الجنائية، وبما أنه لم يزره أي ضيف كان في ذلك اليوم سوى ضيوف الأمس، أمكنني استنتاج المسألة! ".

كشفت الحادثة أمام معتز نقطتين هما غاية في الأهمية: إن قرار اعتقال الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]] لم يكن فلسطينيا، بل إسرائيليا- أمريكيا، وأن القيادات الأمريكية والإسرائيلية لم تثق بالتقارير التي أرسلتها السلطة حول سجن [[عبد العزيز الرنتيسي]]، فجاءوا بأنفسهم للتأكد من ذلك.

==لن أهرب..==

وفي سجنه، تحمل [[عبد العزيز الرنتيسي]] مختلف المضايقات بصمت الصابرين, كان الطعام يصله باردا لا يستسيغه فم بحجة "تفتيشه"، فيما كان التضييق شديدا على أهله. 

كما أنه – برغم كل شيء- لم يكن يشعر سجانيه بأنهم كذلك، ولم يحاول أن يثقل عليهم بالطلبات قط، مثلما يقول الرائد البطنيجي، الذي تابع قائلاً: " أذكر أن أمه جاءت لتزوره في سجنه، فخرج من حجرته لاستقبالها، فإذا به يجد عشرات الشرطيين المدججين بالسلاح يملؤون المكان فسأل بدهشة: " لم كل هذا؟؟ "، فأجبته: " احتياطات خوفا من فرارك يا دكتور! "، فرد بمرح: " إيش؟! أنا أهرب؟! وشرع يضحك من أعماق قلبه!".

لقد قال لي [[عبد العزيز الرنتيسي]] خلال إحدى جلساتنا الليلية "سيأتي يوم سيحكم فيه أبناء الحركة الإسلامية هذه البلاد من هذا المكان الذي أسجن فيه، وسيتولون زمام المرحلة القادمة!، فرحت أعلق ساخرا عليه بالعامية " لما ينور الملح يا دكتور! "، فرد علي بمنتهى الجدية "هذه رؤيا حق يا فتى الخالدي

أُطلق سراح الدكتور أخيرا عام [[2000]]، بعد سبعة عشر شهرا من الاعتقال دون تهمة أو ذنب. لكن المفاجأة كانت هذه المرة من نصيب سجانيه عندما زارهم في بيوتهم بعد إطلاق سراحه!

يقول أيمن: " فوجئت بالدكتور يزورني في بيتي بحي الشجاعية، وكانت لحظات لا تنسى بالنسبة لي، فقد حافظ الدكتور على تواصله مع مختلف سجانيه، حتى أنه ساعد بعضهم ماديا عندما احتاجوا إلى النقود! ولقد أثر في كثيراً، مما أدى إلى دخولي الحركة الإسلامية، وأسميت ولدي البكر على اسمه، فكان رده على هذه اللفتة بأن زارني قبل استشهاده بشهر ونصف الشهر ليهنئني بهذه المناسبة، رغم ما شكله ذلك عليه من خطر! ".

كان خبر استشهاد الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]] "صاعقا" على كل من عرفه من سجانيه وأفراد الشرطة والأجهزة الأمنية عامة، حتى أن الرائد أيمن شهد حادثة طرد أحد المنتمين لفرق الموت، لأنه بكى حال سماعه النبأ! ويضيف أيمن: " صدق أو لا تصدق: لقد كان هذا الرجل أحن على سجانيه من أمهاتهم! وهاهم بعض سجانيه السابقين يكملون مسيرته بعد استشهاده، وهي كرامة تحسب له، فيما يتحسر كل شرطي كان معنا على أنه لم يكن سجانا للرنتيسي كي يعاشر هذه الشخصية الرائعة عن قرب! ".

== المصدر ==
*'''مقال:'''[http://www.felesteen.ps/details/4445/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%86%D8%AA%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%B3%D8%AC%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%87.htm أرعب (إسرائيل) وهو حبيس زنزانة السلطة]'''فلسطين أون لاين'''

{{روابط عبد العزيز الرنتيسي}}

[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:روابط عبد العزيز الرنتيسي]]